سورة النساء

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أيها الناس، اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً؛ واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام؛ إن الله كان عليكم رقيباً.

وآتوا اليتامى أموالهم، ولا تتبدلوا الخبيثَ بالطيب، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم؛ إنه كان حوباً كبيراً.

وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فَانكحوا ما طاب لكم من النساء: مثنى، وثلاث، ورباع؛ فإن خفتم ألا تعدلوا: فواحدةٌ، أو ما ملكت أيمانكم؛ ذلك أدنى ألا تعولوا.

وآتوا النساءَ صدَقاتِهِنَّ نَحْلَةً؛ فإن طبْنَ لكم عن شيءٍ منهُ نَفساً، فَكُلُوهُ هنيئاً مريئاً.

ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً؛ وارزقوهم فيها، وأكسوهم، وقولوا لهم قَولاً مَعروفاً.

وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح؛ فإن آنستم منهم رشداً، فادفعوا إليهم أموالهم، ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً، أن يكبروا. ومن كان غنياً فليستعفِف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف؛ فإذا دفعتم إليهم أموالهم، فأشهدوا عليهم. وكفى بالله حسيباً.

للرجال نصيبٌ مما ترك الوالدان والأقرباء، وللنساء نصيبٌ مما ترك الوالدان والأقرباء؛ مما قلَّ منه أو كثر، نصيباً مفروضاً.

وإذا حضر القسمةُ، أولو القربى، واليَتَامى، والمساكين؛ فارزقوهم منه، وقولوا لهم قَولاً مَعنوناً.

وليَخشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً، فخافوا عليهم؛ فليتقوا الله، وليقولوا لهم قَولاً سَديداً.

إن الذين يأكلون أموال اليَتَامى ظُلماً، إنما يأكلون في بطونهم ناراً، وسيُصلون سعيراً.

يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ فإن كن نساءً فوق اثنتين، فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة، فلها النصف؛ ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك، إن كان له ولد. وإن لم يكن له ولد وورثه أبواه، فلأمه الثلث؛ وإن كان له إخوة، فلأمه السدس؛ من بعد وصية يُوصى بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم؛ لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً. فريضةٌ من الله؛ إن الله كان عليماً حكيماً.

ولكم نصف ما ترك أزواجكم، إن لم يكن لهن ولد؛ فإن كان لهن ولد، فلكم الربع مما تركن، من بعد وصية يُوصى بها أو دين؛ ولهن الربع مما تركتم، إن لم يكن لكم ولد؛ فإن كان لكم ولد، فلهن الثمن مما تركتم، من بعد وصية تُوصون بها أو دين.

وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأة، وله أخٌ أو أخت، فلكل واحد منهما السدس؛ فإن كانوا أكثر من ذلك، فهم شركاء في الثلث، من بعد وصية يُوصى بها أو دين، غير مضارّ. وصيةٌ من الله؛ والله عليمٌ حليم.

تلك حدود الله؛ ومن يطع الله ورسوله، يدخلْهُ جناتٌ تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، وذلك الفوز العظيم.

ومن يعصِ الله ورسوله، ويتعدَّ حدوده، يدخلْهُ ناراً خالداً فيها، وله عذابٌ مهينٌ.

واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم، فاستشهدوا عليهن أربعة منكم؛ فإن شهدوا، فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلاً.

واللذان يأتيانها منكم، فآذوهما؛ فإن تابا وأصلحا، فأعرضوا عنهما؛ إن الله كان تواباً رحيماً.

إنما التوبةُ على الله للذين يعملون السوءَ بجهالة، ثم يتوبون من قريب؛ فأولئك يتوب الله عليهم، وكان الله عليماً حكيماً.

وليست التوبةُ للذين يعملون السيئات؛ حتى إذا حضر أحدهم الموت، قال: "إني تبتُ الآن"، ولا الذين يموتون وهم كفار؛ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً.

يا أيها الذين آمنوا، لا يحل لكم أن ترثوا النساءَ كرهًا، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعضِ ما آتيتموهن؛ إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة؛ وعاشروهن بالمعروف؛ فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئاً، ويجعل الله فيه خيراً كثيراً.

وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوج، وآتيتم إحداهن قنطاراً، فلا تأخذوا منهُ شيئاً؛ أتأخذونه بهَتَاناً وإثمًا مبيناً؛ وكيف تأخذونه، وقد أفضى بعضُكم إلى بعض، وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً.

ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، إلا ما قد سلف؛ إنه كان فاحشةً ومقتاً، وسأً سبيلاً.

حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم، من نسائكم اللاتي دخلتم بهن؛ فإن لم تكونوا دخلتم بهن، فلا جناح عليكم. وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم؛ وأن تجمعوا بين الأختين، إلا ما قد سلف؛ إن الله كان غفوراً رحيمًا.

والمحصنات من النساء، إلا ما ملكت أيمانكم؛ كتابُ الله عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلكن؛ أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين، فما استمتعتم به منهن، فآتوهن أجورهن فريضة؛ ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به، من بعد الفريضة؛ إن الله كان عليماً حكيماً.

ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات، فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات؛ والله أعلم بإيمانكم، بعضكم من بعض؛ فانكحوهن بإذن أهلهن، وآتوهن أجورهن بالمعروف؛ محصنات غير مسافحات، ولا متخذات أخدان؛ فإذا أحصن، فإن أتين بفاحشة، فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب؛ ذلك لمن خشي العنت منكم؛ وأن تصبروا، خيرٌ لكم؛ والله غفورٌ رحيم.

يريد الله ليبين لكم، ويهديكم سنن الذين من قبلكم، ويتوب عليكم؛ والله عليم حكيم.

والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً.

يريد الله أن يخفف عنكم؛ وخلق الإنسان ضعيفاً.

يا أيها الذين آمنوا، لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم؛ ولا تقتلوا أنفسكم؛ إن الله كان بكم رحيماً.

ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً، فسوف نصليه ناراً؛ وكان ذلك على الله يسيراً.

إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه، نكفر عنكم سيئاتكم، وندخلكم مدخلاً كريماً.

ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض؛ للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن؛ واسألوا الله من فضله؛ إن الله كان بكل شيء عليماً.

ولكلِّ جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقرباء، والذين عقدت أيمانكم؛ فآتوهم نصيبهم؛ إن الله كان على كل شيء شهيداً.

الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم؛ فالصالحات قانتات، حافظات للغيب بما حفظ الله؛ واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع؛ واضربوهن؛ فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلاً؛ إن الله كان علياً كبيراً.

وإن خفتم شقاقاً بينهما، فابعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها؛ إن يريدا إصلاحاً، يوفق الله بينهما؛ إن الله كان عليماً خبيراً.

واعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً؛ وبالوالدين إحساناً، وبذي القربى، واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم؛ إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً.

الذين يبخلون، ويأمرون الناس بالبخل، ويكتمون ما آتاهم الله من فضله؛ وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً.

والذين ينفقون أموالهم رئاءَ الناس، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر؛ ومن يكن الشيطان له قريناً، فساء قرينُه.

وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر، وأنفقوا مما رزقهم الله؛ وكان الله بهم عليماً.

إن الله لا يظلم مثقال ذرة؛ وإن تك حسنة، يضاعفها، ويؤت من لدنه أجراً عظيماً؛ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً.

يومئذٍ، يودُّ الذين كفروا وعصوا الرسول، لو تُسوى بهم الأرض؛ ولا يكتمون الله حديثاً.

يا أيها الذين آمنوا، لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، حتى تعلموا ما تقولون؛ ولا جنباً إلا عابري سبيل، حتى تغتسلوا؛ وإن كنتم مرضى أو على سفر، أو جاء أحدٌ منكم من الغائط، أو لمستم النساء، فلم تجدوا ماءً، فتيّمَّموا صعيداً طيباً؛ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم؛ إن الله كان عفواً غفوراً.

ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، يشترون الضلالة، ويريدون أن تضلوا السبيل؛ والله أعلم بأعدائكم؛ وكفى بالله ولياً؛ وكفى بالله نصيراً.

من الذين هادوا، يحرفون الكلم عن مواضعه، ويقولون: "سمعنا وعصينا، واسمع غير مسمع؛ وراعنا." ليتْ كانوا بألسنتهم لطعنوا في الدين؛ ولو أنهم قالوا: "سمعنا وأطعنا، واسمع، وانظرنا"، لكان خيراً لهم وأقواماً؛ ولكن لعنهم الله بكفرهم، فلا يؤمنون إلا قليلاً.

يا أيها الذين أوتوا الكتاب، آمنوا بما نزلنا؛ مصدِّقاً لما معكم من قبل، أن نطمس وجوهاً، فنردها على أدبارها، أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت؛ وكان أمر الله مفعولاً.

إن الله لا يغفر أن يشرك به؛ ويغفر ما دون ذلك، لمن يشاء؛ ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً.

ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم؛ بل الله يزكي من يشاء، ولا يظلمون فُتَيْلاً.

انظر كيف يفترون على الله الكذب؛ وكفى به إثمًا مبيناً.

ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويقولون للذين كفروا: "هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً"؛ أولئك الذين لعنهم الله؛ ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً.

أم لهم نصيب من الملك؛ فإذا لا يؤتون الناس نقيراً، أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة، وآتيناهم ملكاً عظيماً؛ فمنهم من آمن به، ومنهم من صدَّ عنه؛ وكفى بجهنم سَعيراً.

إن الذين كفروا بآياتنا، سوف نصلّيهم ناراً؛ كلما نضجت جلودهم، بدلناهم جلوداً غيرها، ليذوقوا العذاب؛ إن الله كان عزيزاً حكيماً.

والذين آمنوا وعملوا الصالحات، سندخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبداً؛ لهم فيها أزواجٌ مطهرة، ونَدخُلهم ظَلاً ظُليلاً.

إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس، أن تحكموا بالعدل؛ إن الله نعماً يُعَظِّمُكم به؛ إن الله كان سميعاً بصيراً.

يا أيها الذين آمنوا، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم؛ فإن تنازعتم في شيء، فردوه إلى الله والرسول؛ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر؛ ذلك خير وأحسن تأويلاً.

ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك؛ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به؛ ويريد الشيطان أن يضلَّهم ضلالاً بعيداً؛ وإذا قيل لهم: "تعالوا إلى ما أَنزل الله وإلى الرسول"، رأيت المنافقين يُصدون عنك صدوداً؛ فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم، ثم جاءوك، ويحلفون بالله: "إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً"؛ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم، فأعرض عنهم، وعظهم، وقل لهم في أنفسهم قَولاً بليغاً.

وما أرسلنا من رسول إلا ليُطاع بإذن الله؛ ولو أنهم إذ ظلِموا أنفسهم، جاءوك فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول؛ لوجدوا الله تواباً رحيماً.

فلا، وربك، لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم؛ ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً.

ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم، ما فعلوها إلا قليلٌ منهم؛ ولو أنهم فعلوا ما يُوعَظون به، لكان خيراً لهم، وأشدَّ تثبيتاً؛ وإذا لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً.

ولهديناهم صراطاً مستقيمًا.

ومن يطع الله والرسول، فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين؛ وحسن أولئك رفيقاً؛ ذلك الفضل من الله؛ وكفى بالله عليماً.

يا أيها الذين آمنوا، خذوا حذركم؛ فانفروا ثابتين، أو انفروا جميعاً؛ وإن منكم من ليبطئن؛ فإن أصابتكم مصيبة، قال: "قد أنعم الله عليَّ، إذ لم أكن معهم شهيداً"؛ ولئن أصابكم فضلٌ من الله، ليقولن: "كأن لم تكن بينكم وبينه مودةً"؛ يا ليتني كنت معهم، فأفوزَ فوزاً عظيماً.

فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة؛ ومن يقاتل في سبيل الله، ففيقتل أو يغلب، فسوف نؤتيه أجراً عظيماً؛ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله، والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون: "ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم، أهلها؛ واجعل لنا من لدنك ولياً، واجعل لنا من لدنك نصيراً"؛ الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت؛ فقاتلوا أولياء الشيطان؛ إن كيد الشيطان كان ضعيفاً.

ألم تر إلى الذين قيل لهم: "كفوا أيديكم، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة"؛ فلما كتب عليهم القتال، إذ فريقٌ منهم يخشون الناس كخشية الله، أو أشدَّ خشية، وقالوا: "ربنا، لم تكن مكتوبة علينا القتالة؛ لولا أخرتنا إلى أجل قريب"؛ قل: "متاعُ الدنيا قليلٌ، والآخرة خيرٌ لمن اتقى؛ ولا تظلمون، فُتيلاً."

أينما تكونوا، يدرككم الموت؛ ولو كنتم في بروج مشيدة؛ وإن تصبهم حسنةٌ، يقولون: "هذه من عند الله"؛ وإن تصبهم سيئةٌ، يقولون: "هذه من عندك"؛ قل: "كل من عند الله"؛ فمال هؤلاء القوم، لا يكادون يفقهون حديثاً.

ما أصابك من حسنةٍ، فمن الله؛ وما أصابك من سيئةٍ، فمن نفسك؛ وأرسلناكَ للناس رسولاً؛ وكفى بالله شهيداً.

من يطع الرسول، فقد أطاع الله؛ ومن تولى، فما أرسلناك عليهم حفيظاً؛ ويقولون: "طاعةً"؛ فإذا برزوا من عندك بيتٌ، طائفةٌ منهم، غير الذي تقول؛ والله يكتب ما يبيتون؛ فأعرض عنهم، وتوكل على الله؛ وكفى بالله وكيلاً.

أفلا يتدبرون القرآن؛ ولو كان من عند غير الله، لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.

وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف، أذاعوه؛ ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم؛ ولولا فضل الله عليكم ورحمته، لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً.

فاتقَالوا في سبيل الله؛ لا تكلفوا إلا أنفسكم، وحَرِّضوا المؤمنين؛ عسى الله أن يكُفَّ بأس الذين كفروا؛ والله أشدُّ بأساً، وأشدُّ تنكيلاً.

من يشفع شفاعةً حسنةً، يكن له نصيب منها؛ ومن يشفع شفاعةً سيئةً، يكن له كفلاً منها؛ وكان الله على كل شيء مقيتاً.

وإذا حييتم بتحية؛ فحيوا بأحسن منها، أو ردوها؛ إن الله كان على كل شيء حسيباً.

الله لا إله إلا هو؛ ليجمعنكم إلى يوم القيامة، لا ريب فيه؛ ومن أصدق من الله حديثاً.

فما لكم في المنافقين فئتين؛ والله أركسهم بما كسبوا؛ أتريدون أن تهدوا من أضل الله، ومن يضلل الله، فلن تجد له سبيلاً.

ودوا لو تكفرون كما كفروا، فتكونون سواءً؛ فلا تتخذوا منهم أولياء، حتى يهاجروا في سبيل الله؛ فإن تولوا، فخذوهم واقتلوهم، حيث وجدتموهم؛ ولا تتخذوا منهم ولياً، ولا نصيراً؛ إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو جاءوكم، حصَّرت صدورهم أن يقاتلواكم، أو يقاتلوا قومهم؛ ولو شاء الله، لسلطهم عليكم، فلقاتلواكم؛ فإن اعتزَلواكم، فلم يقاتلواكم، وألقوا إليكم السلم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً.

ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم، ويأمنوا قومهم؛ كلما ردوا إلى الفتنة، أركسوا فيها؛ فإن لم يعتزِلواكم، ويلقوا إليكم السلم، ويكفُّوا أيديهم، فخذوهم واقتلوهم، حيث وثِقتموهم؛ وأولئكم جعلنا لكم عليهم سُلْطاً مبيناً.

وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً، إلا خطأً؛ ومن قتل مؤمناً خطأً، فتحريرُ رقبة مؤمنةٍ، وديةٌ مسلمةٌ إلى أهله؛ إلا أن يصدقوا؛ فإن كان من قومٍ عدو لكم وهو مؤمن، فتحريرُ رقبة مؤمنة؛ وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق، فديةٌ مسلمةٌ إلى أهله، وتحريرُ رقبة مؤمنة؛ فمن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين؛ توبةٌ من الله؛ وكان الله عليماً حكيماً.

ومن يقتل مؤمناً متعمداً، فجزاؤه جهنمُ؛ خالداً فيها؛ وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً.

يا أيها الذين آمنوا، إذا ضربتم في سبيل الله، فتبينوا؛ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام: "لست مؤمناً"؛ تبتغون عرضَ الحياة الدنيا؛ فعند الله مغانم كثيرة؛ كذلك كنتم من قبل؛ فمن الله عليكم، فتبينوا؛ إن الله كان بما تعملون خبيراً.

لا يستوي القاعدون من المؤمنين؛ غير أولي الضرر؛ والمجاهدون في سبيل الله، بأموالهم وأنفسهم، فضلُ الله؛ المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، على القاعدين درجة؛ وكلا، ووعد الله الحسنى؛ وفضلُ الله المجاهدين على القاعدين، أجراً عظيماً؛ درجات منه، ومغفرةً ورحمة؛ وكان الله غفوراً رحيماً.

إن الذين توفاهم الملائكة ظالموا أَنْفُسَهُمْ؛ قالوا: "فيما كنتم؟"؛ قالوا: "كنا مستضعفين في الأرض"؛ وقالوا: "ألم تكن أرض الله واسعةً، فتهاجروا فيها"؛ فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيراً؛ إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، لا يستطيعون حيلةً، ولا يهتدون سبيلاً؛ فأولئك، عسى الله أن يعفو عنهم؛ وكان الله عفواً غفوراً.

ومن يهاجر في سبيل الله، يجد في الأرض مراغمَ كثيرةً وسعةً؛ ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله، ثم يدركه الموت، فقد وقع أجره على الله؛ وكان الله غفوراً رحيماً.

وإذا ضربتم في الأرض، فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصلاة، إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا؛ إن الكافرين كانوا لكم عدوّاً مبيناً.

وإذا كنت فيهم، فأقِم لهم الصلاة؛ فلتقم طائفةٌ منهم معك، وليأخذوا أسلحتهم؛ فإذا سجدوا، فليكونوا من ورائكم؛ ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلوا، فليصلوا معك، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم؛ والدُّ الذين كفروا، لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم، فيميلون عليكم ميلاً واحدة؛ ولا جناح عليكم، إن كان بكم أذى من مطر، أو كنتم مرضى، أن تضعوا أسلحتكم؛ وخذوا حذركم؛ إن الله أعد للكافرين عذاباً مهيناً.

فإذا قضيتم الصلاة، فاذكروا الله قياماً وقعوداً، وعلى جنوبكم؛ فإذا اطمأنّنتم، فأقيموا الصلاة؛ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً.

ولا تهنوا في ابتغاءِ القوم، إن تكونوا تألمون؛ فإنهم يؤلمون كما تألمون؛ وترجون من الله ما لا يرجون؛ وكان الله عليماً حكيماً.

إنا أنزلنا إليك الكتابَ بالحق، لتحكم بين الناس بما أراك الله؛ ولا تكن للخائنين خصيماً؛ واستغفر الله؛ إن الله كان غفوراً رحيماً.

ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم؛ إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً؛ يستخفون من الناس، ولا يستخفون من الله؛ وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول؛ وكان الله بما يعملون محيطاً.

ها أنتم هؤلاء، جادلتم عنهم في الحياة الدنيا؛ فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة، أم من يكون عليهم وكيلاً؟

ومن يعمل سوءاً، أو يظلم نفسه، ثم يستغفر الله، يجد الله غفوراً رحيماً؛ ومن يكسب إثماً، فإنما يكسبه على نفسه؛ وكان الله عليماً حكيماً؛ ومن يكسب خطيئةً أو إثماً، ثم يرم به بريئاً، فقد احتمل بهتاناً وإثمًا مبيناً.

ولولا فضل الله عليك ورحمته، لهمت طائفةٌ منهم أن يضلوك، وما يضللون إلا أنفسهم، وما يضرونك من شيء؛ وأنزل الله عليك الكتابَ والحكمة، وعلمَك ما لم تكن تعلم؛ وكان فضلُ الله عليك عظيماً.

لا خير في كثير من نجواهم، إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس؛ ومن يفعل ذلك، ابتغاء مرضات الله، فسوف نؤتيه أجراً عظيماً.

ومن يشاقق الرسول، من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين، نوله ما تولى، ونَصْله جهنم؛ وساءت مصيراً.

إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك، لمن يشاء؛ ومن يشرك بالله، فقد ضل ضلالاً بعيداً.

إن يدعون من دونه، إلا إناثاً؛ وإن يدعون، إلا شيطاناً مريداً؛ لعنه الله، وقال: "لآتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً"؛ ولأضلنهم، ولأمنينهم، ولآمرنهم؛ فليبتكن آذان الأنعام؛ ولآمرنهم، فليغيرن خلق الله؛ ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله، فقد خسر، خسراناً مبيناً؛ يعدهم ويمنيهم؛ وما يعدهم الشيطان، إلا غروراً؛ أولئك مأواهم جهنم، ولا يجدون عنها مأوى.

والذين آمنوا وعملوا الصالحات، سندخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار؛ خالدين فيها أبداً؛ وعُدت لهم فيها أزواجٌ مطهرَةٌ؛ ونَدخُلهم ظلاً ظليلًا.

إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس، أن تحكموا بالعدل؛ إن الله نعماً يُعَظِّمُكم به؛ إن الله كان سميعاً بصيراً.

يا أيها الذين آمنوا، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، والكتاب الذي نزل على رسوله، والكتاب الذي أنزل من قبل؛ ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، فقد ضل ضلالاً بعيداً.

إن الذين آمنوا ثم كفروا، ثم آمنوا، ثم كفروا، ثم ازدادوا كفراً، لم يكن الله ليغفر لهم، ولا ليهديهم سبيلاً؛ بشر المنافقين، بأن لهم عذاباً أليماً.

الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين؛ أيبتغون عندهم العزة؛ فإن العزة لله جميعاً؛ وقد نزل عليكم في الكتاب، أن إذا سمعتم آيات الله، يكفِّر بها ويستهزئ بها، فلا تقعدوا معهم، حتى يخوضوا في حديث غيره؛ إنكم إذا مثلهم؛ إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً.

الذين يتربصون بكم؛ فإن كان لكم فتح من الله، قالوا: "ألم نكن معكم"؛ وإن كان للكافرين نصيب، قالوا: "ألم نستحوذ عليكم، ونمنعكم من المؤمنين"؛ فالله يحكم بينكم يوم القيامة، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً.

إن المنافقين، يخادعون الله، وهو خادعهم؛ وإذا قاموا إلى الصلاة، قاموا كسالين، يراءون الناس، ولا يذكرون الله إلا قليلاً؛ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء؛ ومن يضلل الله، فلن تجد له سبيلاً.

يا أيها الذين آمنوا، لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين؛ أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً؛ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ولن تجد لهم نصيراً؛ إلا الذين تابوا وأصلحوا، واعتصموا بالله، وأخلصوا دينهم لله؛ فأولئك مع المؤمنين، وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً.

ما يفعل الله بعذابكم، إن شكرتم وآمنتم؛ وكان الله شاكراً عليماً.

لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، إلا من ظلم؛ وكان الله سميعاً عليماً.

إن تبدوا خيرا، أو تخفوه، أو تعفوا عن سوء؛ فإن الله كان عفواً قديراً.

إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، ويقولون: "نؤمن ببعض، ونكفر ببعض،" ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً؛ أولئك هم الكافرون حقاً؛ وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً.

والذين آمنوا بالله ورسله، ولم يفرقوا بين أحد منهم؛ أولئك سوف يؤتيهم أجورهم؛ وكان الله غفوراً رحيماً.

يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء؛ فقد سألوا موسى أكبر من ذلك؛ فقالوا: "أرنا الله جهرةً"؛ فأخذتهم الصاعقة بظلمهم؛ ثم اتخذوا العجل، من بعد ما جاءتهم البينات؛ فعفونا عن ذلك، وآتينا موسى سلطاناً مبيناً؛ ورفعنا فوقهم الطور، بميثاقهم؛ وقلنا لهم: "ادخلوا الباب، سجداً"؛ وقلنا لهم: "لا تعدوا في السبت"؛ وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً.

فبما نقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم: "قلوبنا غُلِفَتْ"، بل طبع الله عليها بكفرهم؛ فلا يؤمنون إلا قليلاً؛ وبكفرهم، وقولهم على مريم، بهتاناً عظيماً؛ وقولهم: "إننا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله"؛ وما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شبه لهم؛ وإن الذين اختلفوا فيه، لفي شك منه؛ ما لهم به من علم، إلا اتباع الظن؛ وما قتلوه يقيناً؛ بل رفعه الله إليه؛ وكان الله عزيزاً حكيماً؛ وإن من أهل الكتاب، إلا ليؤمنن به قبل موته؛ ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً.

فبظلم من الذين هادوا، حرمنا عليهم طيبات، أحلت لهم، وبصدهم عن سبيل الله كثيراً؛ وأخذهم الربا، وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل؛ وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً.

لكن الراسخون في العلم، منهم والمؤمنون، يؤمنون بما أُنزل إليك، وما أُنزل من قبلك؛ والمقيمون الصلاة، والمؤتون الزكاة، والمؤمنون بالله واليوم الآخر؛ أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً.

إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح، والنبيين من بعده؛ وأوحينا إلى إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط؛ وعيسى، وأيوب، ويونس، وهارون، وسليمان؛ وآتنا داود زبوراً؛ ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل؛ ورسلاً لم نقصصهم عليك؛ وكلم الله موسى تكليماً؛ رسلاً مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل؛ وكان الله عزيزاً حكيماً.

لكن الله يشهد بما أَنزل إليك؛ أنزله بعلمه، والملائكة يشهدون؛ وكفى بالله شهيداً.

إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، قد ضلوا ضلالاً بعيداً؛ إن الذين كفروا وظلموا، لم يكن الله ليغفر لهم، ولا ليهديهم طريقاً؛ إلا طريق جهنم، خالدين فيها أبداً؛ وكان ذلك على الله يسيراً.

يا أيها الناس، قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم؛ فآمنوا، خيرٌ لكم؛ وإن تكفروا، فإن لله ما في السماوات والأرض؛ وكان الله عليماً حكيماً.

يا أهل الكتاب، لا تغلوا في دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق؛ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله؛ وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه؛ فآمنوا بالله ورسله، ولا تقولوا ثلاثة؛ انتهوا، خيرٌ لكم؛ إنما الله إله واحد، سبحانه أن يكون له ولد؛ له ما في السماوات وما في الأرض؛ وكفى بالله وكيلاً.

لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله، ولا الملائكة المقربون؛ ومن يستنكف عن عبادته، ويستكبر، فسيحشرهم إليه جميعاً؛ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ففيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله؛ وأما الذين استنكفوا واستكبروا، فيعذبهم عذاباً أليماً، ولا يجدون لهم من دون الله ولياً، ولا نصيراً.

يا أيها الناس، قد جاءكم برهان من ربكم، وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً؛ فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به، فسيدخلهم في رحمة منه، وفضل، ويهديهم إليه؛ صراطاً مستقيمًا.

يستفتونك، قل: "الله يفتيكم في الكلالة؛ إن امرؤ هلك، ليس له ولد، وله أخت؛ فلها نصيبُ: نصفُ ما ترك؛ وهو يرثها. إن لم يكن لها ولد، فإن كانتا اثنتين، فلهما الثلثان مما ترك؛ وإن كانوا إخوة، رجالاً ونساءً، فللذكر مثل حظ الأنثيين." يُبيّن الله لكم أن تضلوا؛ والله بكل شيء عليم.

(انتهى)